
لا تحيد السعودية عن إيمانها بأهمية الأمن القومي العربي، ولا تتحلل من الالتزام بالواجبات الملقاة على عاتقها للمحافظة عليه، في مواجهة الأخطار المحدقة بدول الوطن العربي، لاسيما إذا تعرض لأي استهداف يؤثر على قوة منظومته، وفي إطار تصديها الدائم للتهديدات المتوالية لإيران على أمن الدول العربية، سارعت السعودية إلى الدعوة لعقد قمتين طارئتين عربية وخليجية عقب الاعتداء التخريبي على أربع سفن نفطية في المياه الاقتصادية للإمارات، وتعرض ترابها الوطني لأعمال عسكرية متكررة من ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، والتي لا تتحرك سوى بتعليمات منها.
ولم تنطلق السعودية في توجيه الدعوة إلى عقد القمتين من دوافع فردية محصورة في طلب المساعدة في الدفاع عن أراضيها، فالسعودية كفيلة بالدفاع عن نفسها بالنظر إلى قوتها العسكرية والتسليحية، والجيش السعودي ثاني أقوى جيش عربي بعد الجيش المصري، والخامس والعشرين عالمياً، وفقًا لتصنيف مؤسسة “جلوبال فاير بور” المختصة بالشؤون العسكرية لعام 2019.
وتتركز دوافع السعودية في الدعوة إلى القمتين من أسباب أمنية قومية وإقليمية وأسباب تنظيمية، فممارسة إيران للحرب بالوكالة من خلال ميليشيا الحوثي ضد دول المنطقة واستهداف السعودية والإمارات ضمن هذا الإطار كجزء من ابتزازها للعالم في صراعها الحالي مع الولايات المتحدة، يمكن أن تتطور إلى حرب تطال أطرافًا ودولاً عديدة من داخل المنطقة وخارجها، وبناءً على ذلك دعت السعودية إلى القمتين بهدف الردع المشترك وتخفيف الاحتقان المتصاعد، وكانت السعودية محقة في المبادرة إلى الدعوة لعقد القمتين انطلاقاً من فهمها العميق لتوجهات النظام الإيراني.
فالهجمات الحوثية على الأهداف المدنية والاقتصادية السعودية، التي سبقت توجيه الدعوة إلى القمتين لم تنقطع، ولم تكن أحداثاً عارضة مرتبطة بالنزاع اليمني، الذي تعطى الأولوية في تسويته منذ أشهر للحل السياسي من خلال اتفاق السويد، بل تبعتها هجمات حوثية أخرى على أهداف مدنية في نجران وجازان، ما يعني ارتباطها بخطة إيرانية تهدف إلى رفع التوترات في المنطقة، للضغط على العالم في ضوء أهميتها لاقتصاده، لكن السعودية سحبت البساط من تحت أقدام النظام الإيراني وباغتته بثلاث قمم متزامنة وليس قمة واحدة لوقف انتهاكاته الأمنية الخطيرة.
أما الأسباب التنظيمية التي حدت بالسعودية إلى الدعوة للقمتين فتنطلق من حسن توظيفها لتنظيم القمة الإسلامية 14 لمنظمة التعاون الإسلامي التي تعقد في مكة في الثلاثين من شهر مايو (أيار) الجاري، إذ من المقرر أن يحضر قادة الدول العربية والخليجية القمة الإسلامية، وبناءً على ذلك فمن المفيد استثمار حضور هؤلاء القادة في بحث القضايا الأمنية، التي تهم الأمن القومي العربي، في مواجهة الحرب بالوكالة التي تشنها إيران عبر المتمردين الحوثيين، وهذا ما فعلته السعودية، فالقمة الواحدة أصبحت ثلاثاً، وجهودها التنظيمية ضاعفت المزايا المنعكسة على الأمن القومي العربي، الذي يتحمل مسؤوليته كل العرب.
واهتمام الرياض بالأمن القومي العربي ليس متحدثاً في سياستها الخارجية، فهي السعودية بأن أمن الوطن العربي كل لا يتجزأ، وأن أمنها أو أمن أي من دوله لا ينفصل عن أمن بقية الدول العربية أبداً، وهو ما يفرض على الجميع التعاون والمشاركة في درء المخاطر والتصدر لأي اختراقات أو تهديدات قد تتعرض لها أي دولة في المنظومة العربية، والدعوة إلى القمتين استمرار لجهود السعودية في هذا الصدد، فخلال القمة العربية 29 التي عقدت في الظهران في أبريل (نيسان) 2018، أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز عن مبادرة لتعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة، وقال في كلمته حولها: “إيماناً منا بأن الأمن القومي العربي منظومة متكاملة لا تقبل التجزئة، فقد طرحنا أمامكم مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الدول العربية بعنوان تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة”.
وتمخضت المبادرة السعودية عن إصدار “وثيقة الأمن القومي” في ختام قمة الظهران، التي سمتها الرياض “قمة القدس”، تأكيداً للهوية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة عقب اعتراف واشنطن بها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ولقد أصدر القادة العرب الوثيقة انطلاقًا من ” الالتزام بمبادئ أهداف جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، وقرارات القمم العربية، ووفقًا لآليات العمل العربي المشترك في مختلف المجالات، واستذكارًا لميثاق التضامن العربي السابع عن قمة الدار البيضاء 1965″، ما يبرهن على أن دعوة السعودية للقمتين تندرج في مسار ثابت وقائم في سياستها للاهتمام بالأمن القومي العربي وليس مستحدثاً أو عارضاً.
شاهد تكملة الخبر في الأسفل