الاثنين 19-05-2025? - آخر تحديث الجمعة 29-11-2024?
الحب في زمن الكورونا !


يا الله …
لم يفتر لساني عن ذكر الله ، كنت تارةً أصيح بملىء فمي يا الله أين انت ؟ فلتغثني الآن أين ملائكة الرحمة ؟وتارة الهج بالدعاء و التسبيح بأعلى صوتي …
المسافة طويلة بين مقر عملي والبلدة التي أقطنها قطعتها بنصف الوقت المعتاد لست أدري كيف فعلت ذلك ؟!
السيارة تشقُ عُباب الرياح المحملة بالغبار والأتربة الموسمية بصعوبة بالغة النظير ، والشمس دنت على الغروب ، وأنا أقود سيارتي بسرعة فائقة لم تسبق لي قيادتها من قبل …

لوحة إرشادية كُتب عليها عشرة كيلومتر تفصلك عن البلدة . ومازال صوت موضف الطوارئ في أذني ( زوجتك في غرفة الإنعاش بعد أن تبين لنا إصابتها بفيروس كورونا ) ….

 

شاهد تكملة الخبر في الأسفل 

 


 

جديد اب برس

 

 

 

 

 


 

مازلت أرتعد كلما أتذكر ذلك الصوت يا بني …

مازال صوته الأجش في أذني منذُ عشرين عاماً مضى من الآن عالقٌ في مخيلتي لم يبارحني للحظة ، أحس به كلما كنت وحيداً مع نفسي وأحيانا يأتي في منامي ، لم أستطع الخلاص منه يابني لم أستطع لم أستطع ، وفجأة أغرورقت عيناه بالدمع وكاد أن يجهش في البكاء ..
كح كحته المعتادة كح كح كح ، أسرعتُ بتقديم كوباً من الماء له وانا أقول لا عليك يا أبي هون على نفسك قليلاً ، إرفق بحالك فهذه الذكريات تولد لك الانزعاج وتعكر صفوك .
أمسك بيده المرتعشة الكوب وساعدته أنا على شربه ..

كان أبي يرتعد كلما تذكر تلك الحضات وأنا أشفق عليه كلما عصرته ذكرياته القديمة ، إلا إنه لا يحب أن أقاطعه أو أطلب منه الصمت إذا ما بداء برواية قصته لي بين الحين والآخر .

قال و هو يناولني الكأس لأضعه جانباً ، كيف أنسى يابني تلك الليلة العصيبة دعني أثرثر لك لعلى إذا أخرجت كلما في جعبتي من ذكريات أستريح بعدها و لتحدثها أنت لأحفادي من بعدي ….

وأخذ يوالي سُعاله المعتاد مع كل حبة من مسبحتة التي لا تفارق يده أبداً ..

كانت أمك طبيبة في مشفى البلدة الكبير ، و كنتُ أنا رجل أمن أعمل في السلك الأمني في مدينة بعيدة ، أعود منها عند نهاية كل أسبوع ، فكنا جميعاً في خدمة الوطن الذي نحبه في تفاني وإخلاص ، وكانت حياتنا جميلة يتخللها الحب والتفاني ، لم يمضي على زواجنا غير عام ونيف ….

كانت حاملة بك في شهرها السابع يابني ، وقد أصرت على العمل في ذلك الشهر الذي تفشى فيه فيروس الكورونا الخبيث ، حاولت أن أمنعها لكنها كانت مصرة على العمل لدواعي إنسانية ، وهي تقول كيف أترك الناس تموت وهم بحاجة لي في هذا الظرف العصيب …

صعدت إلى المشفى بعد أن ركنتُ سيارتي في كراج السيارات وكنت مرتدي بزتي العسكرية ، وأنا أنادي بأعلى صوتي في أرجاء المشفى أين زوجتي أين زوجتي ؟

فقد قتلتموها يا أوغاد العنة عليكم ، لماذا لم تقنعوها بالعدول عن العمل معكم ألم تعرفوا بأنها حامل في مولودنا البكر ؟!

تحلق حولي كل من في المشفى من رجال الأمن والموضفين والأطباء ، حاول بعظهم ثنيي والتهدأة من روعي ولكني كنت كا الثور الهائج ..

قال لي كبير الأطباء لن نستطيع السماح لك بزيارتها فهي في غرفة الإنعاش ولم يُسمح لمريض الكورونا بالزيارة …

على الفور أشهرت سلاحي في وجه الجميع قلت لهم سوف أقتلكم جميعاً ياحمقى سا أقتل الجميع ، هل تريدوا مني أن أرتكب جريمة هنا ، هل تريدوا من رجل الأمن أن يصبح مجرماً ؟
أمسكت في تلابيب كبير الأطباء وقد كان صديقي وزميل دراستي أيضاً ، ثم وضعت فوهة مسدسي على رأسي وانا أصيح في وجه إذا كنت تعلم بأني لم أقدم على قتل أحد هنا قسما بأني سوف أنال من نفسي الآن ، فقد قررت الإنتحار اذا لم تسمح لي في رؤيتها حالاً ..

طوقني بكلتا ذراعيه بلطف وحب ، وقال إهداء سأعمل كل مابوسعي لأجلك ياصديقي العزيز ، دع السلاح جانباً سوف أدخلك حالاً ساأضرب بأعراف المشفى على الحائط ..

ثم أمر ببزة المشفى الصحية والبسوني إياها وقالوا بشرط وحيد أن تراها دون أن يحق لك لمسها أو محادثتها ..

على الفور كنت في غرفة الإنعاش ، صعقت وانا أراها ممدة على السرير الأبيض ولم أستطع السيطرة على نفسي كنت أنادي بأعلى صوتي العنة على كورونا الخبيث ساقتله ساقتله إن رأيته أمامي ..

فجاة مزقت بزة المشفى ورميت بالقناع من وجهي والقفازات من يدي ، وقفزت لاحتضنها بقوة وأقبلها وانا أردد ارجوكي لا تتركيني أنا من غيرك لا شيء أنا وحيد بدونك مهما كان هذا العالم كله من حولي ….

حينها فقدتُ الوعى ولم أصحى إلا و أنا في الحجر الصحي بعد بضع ساعات ، ولم أراها بعد ذلك يابني ، فقد كانت آخر رؤيتي بها تلك …

قلتُ يا أبي هون عليك فقد عوضك الله بي ومنا عليك في نجاتي بعد أن سارع الأطباء لاخراجي بعملية قيصرية وقد نجوت بأعجوبة وذلك بلطف ربي سبحانه …

نهض أبي ثم أتجه نحو غرفة النوم المغلقه منذُ عشرون عاماً ، مازالت كما هي ، صورة أمي بثوب زفافها وأخرى ببزتها الصحية وأخرى تحتضن أبي في حفل تخرج دفعتها التكريمية ، كانت كانها تبتسم لنا وكأني لأول مرة أشاهد هذه الصورة رغم أني أشاهدها كلما أدخل لتنضيف الغرفه بين الحين والآخر ….

سريرها و دولاب ملابسها كما هي أحمر الشفاة ومكياجها وملابس نومها وعطرها وكل أحذيتها الجميلة ومعجون أسنانها و كل مايخصها مازال في غرفتها كما هي لم يعبث أحداً فيه ماعدا تلك السبحة التي في يد أبي لم تفارقه كانت تخصها قال بأنها أهدته إياها بعد زفافها ….

تحسس أبي صورتها المعلقة على الجدار وهو يبتسم وقال لها وكأنه يحدثها ، اتدرين يا حبيبتي بأني عشت فقط لأربي طفلك الذي هو الان يقف رجلاً بجانبي ، تفرغت فقط لأجله ولم تدخل حياتي إمرأة أخرى من بعدك …

أقترب نحو سرير النوم وضل يتحسس بيديه الفراش وتمتم مازال دافئاً من بعدها ، كانها تركته البارحة ، كان يبتسم . ولأول مرة أجد وجه أبي مشرقاً متوهجاً كمصباح مضىء ..

صعد على السرير و قال اللية سوف أنام هنا يابني سأنام بجوار أمك ، منذُ عشرون عاماً لم اشاركها المنام ، يكفي أن أهجرها أكثر من ذلك ، الليلة فقط سا أنام بالقرب منها وكرر سوف أنام معها …

أطفات في تلك الليلة المصباح الكهربائي و خرجت من الغرفة وتركت أبي يغطُ في نومٍ عميق ، وكانت ليلته الأخيرة ولم يستيقظ بعدها ………………………. …………

هكذا يا أولادي كانت حكايتي مع جدكم يرحمه الله ، قاطعني إبني الأصغر مندهشاً عند سماع القصة يا أبي هل أوصاك جدي بأن تحدثنا بقصته هذه ..
تبسمت وأنا أربت على كتفه بكل حب وحنان ، وأضع اليد الأخرى على ولدي الأكبر ثم قلت لهم تعالوا يا أولادي نزور تلك الغرفة المغلقة منذو عشرات السنين ….

كانت الصور المعلقة كما هي مضافة اليها صورة كبيرة لأبي في بزته العسكرية بعز وشموخ ..

وقفت متوسطاً أبنائي لنلقي له تحيتنا العسكرية بكل فخر على ما علمنا من حب الوفاء وحب الوطن ……